سورة يس - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{آية} معناه علامة ودليل، ورفعها بالابتداء وخبره في قوله {لهم}، و{أنا} بدل من {آية} وفيه نظر، ويجوز أن تكون {أن} مفسرة لا موضع لها من الإعراب، والحمل منع الشيء أن يذهب سفلاً، وذكر الذرية لضعفهم عن السفر فالنعمة فيهم أمكن، وقرأ نافع وابن عامر والأعمش {ذرياتهم} بالجمع، وقرأ الباقون {ذريتهم} بالإفراد، وهي قراءة طليحة وعيسى، والضمير المتصل بالذريات هو ضمير الجنس، كأنه قال ذريات جنسهم أو نوعهم هذا أصح ما اتجه في هذا، وخلط بعض الناس في هذا حتى قالوا الذرية تقع على الآباء وهذا لا يعرف لغة، وأما معنى الآية فيحتمل تأويلين: أحدهما قاله ابن عباس وجماعة، وهو أن يريد بـ الذريات المحمولين أصحاب نوح في السفينة، ويريد بقوله {من مثله} السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإياها أراد الله تعالى بقوله {وإن نشأ نغرقهم}، والتأويل الثاني قاله مجاهد والسدي وروي عن ابن عباس أيضاً هو أن يريد بقوله {أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة ويريد بقوله {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} الإبل وسائر ما يركب فتكون المماثلة في أنه مركوب مبلغ إلى الأقطار فقط، ويعود قوله {وإن نشأ نغرقهم} على السفن الموجودة في الناس، وأما من خلط القولين فجعل الذرية في الفلك في قوم نوح في سفينة وجعل {من مثله} في الإبل فإن هذا نظر فاسد يقطع به قوله تعالى: {وإن نشأ نغرقهم} فتأمله، و{الفلك} جمع على وزنه هو الإفراد معناه الموفر، و{من} في قوله {من مثله}، يتجه على أحد التأويلين: أن تكون للتبعيض، وعلى التأويل الآخر أن تكون لبيان الجنس فانظره، ويقال الإبل مراكب البر، والصريخ هنا بناء الفاعل بمعنى المصرخ، وذلك أنك تقول صارخ بمعنى مستغيث، ومصرخ بمعنى مغيث، ويجيء {صريخ} مرة بمعنى هذا ومرة بمعنى هذا لأن فعيلاً من أبنية اسم الفاعل، فمرة يجيء من أصرخ ومرة يجيء من صرخ إذا استغاث، وقوله {إلا رحمة} قال الكسائي نصب {رحمةً} على الاستثناء كأنه قال إلا أن يرحمهم رحمة، وقال الزجاج: نصب {رحمة} على المفعول من أجله كأنه قال: إلا لأجل رحمتنا إياهم، و{متاعاً} عطف على {رحمة}، وقوله {إلى حين}، يريد إلى آجالهم المضروبة لهم.
قال القاضي أبو محمد: والكلام تام في قوله {وإن نشأ نغرقهم} {فلا صريخ لهم} استئناف إخبار عن السائرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين فهم بهذه لا نجاة لهم إلا برحمة الله وليس قوله {فلا صريخ لهم} مربوطاً بالمغرقين، وقد يصح ربطه به والأول أحسن فتأمله، ثم ابتدأ الإخبار عن عتو قريش بقوله {وإذا قيل لهم} الآية، وما بين أيديهم قال مقاتل وقتادة، هو عذاب الأمم الذي قد سبقهم في الزمن وما خلفهم هو عذاب الآخرة الذي يأتي من بعدهم في الزمن وهذا هو النظر، وقال الحسن: خوفوا بما مضى من ذنوبهم وبما يأتي منها.
قال القاضي أبو محمد: فجعل الترتيب كأنهم يسيرون من شيء إلى شيء، ولم يعتبر وجود الأشياء في الزمن، وهذا النظر يكسره عليه قوله تعالى: {مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل} [المائدة: 46]، وإنما المطرد أن يقاس ما بين اليد والخلف بما يسوقه الزمن فتأمله، وجواب {إذا} في هذه الآية محذوف تقديره أعرضوا يفسره قوله بعد ذلك {إلا كانوا عنها معرضين}، والآيات العلامات والدلائل.


الضمير في قوله {لهم} لقريش، وسبب الآية أن الكفار لما أسلم حواشيهم من الموالي وغيرهم من المستضعفين قطعوا عنهم نفقاتهم وجميع صلاتهم وكان الأمر بمكة أولاً فيه بعض الاتصال في وقت نزول آيات الموادعة فندب أولئك المؤمنون قرابتهم من الكفار إلى أن يصلوهم وينفقوا عليهم مما رزقهم الله، فقالوا عند ذلك {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} قال الرماني: ونسوا ما يجب من التعاطف وتآلف المحقين وقالت فرقة: بل سبب الآية أن قريشاً شحت بسبب أزمة على المساكين جميعاً، مؤمن وغير مؤمن وندبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة على المساكين فقالوا هذا القول، وقولهم يحتمل معنيين من التأويل: أحدهما يخرج على اختيارات لجهال العرب، فقد روي أن أعرابياً كان يرعى إبله فجعل السمان في الخصب والمهازيل في المكان الجدب فقيل له في ذلك فقال: أكرم ما أكرم الله وأهين ما أهان الله، فيخرج قول قريش على هذا المعنى كأنهم رأوا الإمساك عمن أمسك الله عنه رزقه، ومن أمثالهم كن مع الله كالمدبر، والتأويل الثاني أن يكون كلامهم بمعنى الاستهزاء بقول محمد صلى الله عليه وسلم إن ثم إلهاً هو الرزاق فكأنهم قالوا لم لا يرزقهم إلهك الذي تزعم أي نحن لا نطعم من لو يشاء هذا الإله الذي زعمت أطعمه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كما يدعي إنسان أنه غني ثم يحتاج إلى معونتك في مال فتقول له على جهة الاحتجاج والهزء به أتطلب معونتي وأنت غني أي على قولك، وقوله تعالى: {إن أنتم إلا في ضلال مبين} يحتمل أن يكون من قول الكفرة للمؤمنين، أي في أمركم لنا في نفقة أموالنا وفي غير ذلك من دينكم، ويحتمل أن يكون من قول الله عز وجل للكفر استئناف وزجرهم بهذا، ثم حكى عنهم على جهة التقرير عليهم قولهم {متى هذا الوعد} أي متى يوم القيامة الذي تزعم، وقيل أرادوا متى هذا العذاب الذي تهددنا به وسموا ذلك وعداً من حيث قيدته قرائن الكلام أنه في شر والوعد متى ورد مطلقاً فهو في خير وإذا قيدته بقرينة الشر استعمل فيه، والوعيد دائماً إنما هو في الشر، و{ينظرون} معناه ينتظرون، و{ما} نافية، وهذه الصيحة هي صيحة القيامة والنفخة الأولى في الصور رواه عبد الله بن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث أبي هريرة أن بعدها نفخة الصعق ثم نفخة الحشر وهي التي تدوم، فما لها من فواق، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن القسطنطين المكي {يَخَصِّمون} بفتح الياء والخاء وشد الصاد المكسورة، وأصلها يختصمون نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء الساكنة في الصاد، وقرأ نافع وأبو عمرو أيضاً {يَخْصِّمون} بفتح الياء وسكون الخاء وشد الصاد المكسورة وفي هذه القراءة جمع بين الساكنين ولكنه جمع ليس بجمع محض ووجهها أبو علي، وأصلها يختصمون حذفت حركة التاء دون نقل ثم أدغمت في الصاد، وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر ونافع أيضاً والحسن وأبو عمرو بخلاف عنه {يَخِصِّمون} بفتح الياء وكسر الخاء وشد الصاد المكسورة أصلها يختصمون عللت كالتي قبلها، ثم كسرت للالتقاء، وقرأت فرقة {يِخِصِّمون} بكسر الياء والخاء وشد الصاد المكسورة عللت كالتي قبلها ثم أتبعت كسرة الخاء كسرة الياء، وفي مصحف أبي بن كعب {يختصمون} ومعنى هذه القراءات كلها أنهم يتحاورون ويتراجعون الأقوال بينهم ويتدافعون في شؤونهم، وقرأ حمزة {يخصمون} وهذه تحتمل معنيين أحدهما المذكور في القراءات أي يخصم بعضهم بعضاً في شؤونهم والمعنى الثاني يخصمون أهل الحق في زعمهم وظنهم، كأنه قال تأخذهم الصيحة وهم يظنون بأنفسهم أنهم قد خصموا وغللوا لأنك تقول خاصمت فلاناً فخصمته إذا غلبته، وقوله تعالى: {فلا يستطيعون توصية} عبارة عن إعجال الحال، والتوصية مصدر من وصى، وقوله تعالى: {ولا إلى أهلهم يرجعون} يحتمل ثلاث تأويلات: أحدها ولا يرجع أحد إلى منزله وأهله لإعجال الأمر بل تفيض نفسه حيثما أخذته الصيحة، والثاني معناه {ولا إلى أهلهم يرجعون} قولاً وهذا أبلغ في الاستعجال وخص الأهل بالذكر لأن القول معهم في ذلك الوقت أهم على الإنسان من الأجنبيين وأوكد في نفوس البشر، والثالث تقديره {ولا إلى أهلهم يرجعون} أبداً، فخرج هذا عن معنى وصف الاستعجال إلى معنى ذكر انقطاعهم وانبتارهم من دنياهم، وقرأ الجمهور {يَرجِعون} بفتح الياء وكسر الجيم، وقرأ ابن محيصن بضم الياء وفتح الجيم.


هذه نفخة البعث، و{الصور} القرن في قول جماعة المفسرين وبذلك تواترت الأحاديث، وذهب أبو عبيدة إلى أن {الصور} جمع صورة خرج مخرج بسر وبسرة وكذلك قال سورة البناء جمعها سور، والمعنى عنده وعند من قال بقوله نفخ في صور بني آدم فعادوا أحياء، و{الأجداث} القبور، وقرأ الأعرج {في الصوَر} بفتح الواو جمع صورة، و{ينسلون} معناه يمشون بسرعة، والنسلان مشية الذئب، ومنه قول الشاعر:
عسلان الذيب أمسى قارباً *** برد الليل عليه فنسل
وقال ابن عباس: {ينسلون} يخرجون، وقرأ جمهور الناس {ينسِلون} بكسر السين، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو عمرو أيضاً {ينسُلون} بضمها، ونداؤهم الويل بمعنى هذا وقتك وأوان حضورك وهو منادى مضاف، ويحتمل أن يكون نصب الويل على المصدر والمنادى محذوف، كأنهم قالوا يا قومنا ويلنا، وقرأ ابن أبي ليلى {يا ويلتنا} بتاء التأنيث، وقرأ الجمهور {مَن بعثنا} بفتح الميم على معنى الاستفهام، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنها قرآ {مِن بْعثِنا} بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية، وسكون العين وكسر الثاء على المصدر، وفي قراءة ابن مسعود، {من أهبنا من مرقدنا} أي من نبهنا، وفي قراءة أبي بن كعب {من هبنا}، قال أبو الفتح ولم أرَ لها في اللغة أصلاً ولا مر بنا مهبوب، ونسبها أبو حاتم إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وقولهم {من مرقدنا} يحتمل أن يريدوا من موضع الرقاد حقيقة، ويروى عن أبي بن كعب وقتادة ومجاهد أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا غير صحيح الإسناد، وإنما الوجه في قولهم {من مرقدنا} أنها استعارة وتشبيه، كما تقول في قتيل هذا مرقده إلى يوم القيامة، وفي كتاب الثعلبي: أنهم قالوا {من مرقدنا} لأن عذاب القبر كان كالرقاد في جنب ما صاروا إليه من عذاب جهنم، وقال الزجاج: يجوز أن يكون هذا إشارة إلى المرقد، ثم استأنف بقوله، {ما وعد الرحمن} ويضمر الخبر حق أو نحوه، وقال الجمهور: ابتداء الكلام {هذا ما وعد الرحمن}، واختلف في هذه المقالة من قالها، فقال ابن زيد: هي من قول الكفرة أي لما رأوا البعث والنشور الذي كانوا يكذبون به في الدنيا قالوا {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} وقالت فرقة: ذلك من قول الله تعالى لهم على جهة التوبيخ والتوقيف، وقال الفراء: هو من قول الملائكة، وقال قتادة ومجاهد: هو من قول المؤمنين للكفرة على جهة التقريع، ثم أخبر تعالى أن أمر القيامة والبعث من القبور ما هو {إلا صيحة واحدة} فإذا الجميع حاضر محشور، وقرأت فرقة {إلا صيحةً} بالنصب، وقرأ فرقة فرقة {إلا صيحةٌ} بالرفع، وقد تقدم إعراب نظيرها، وقوله {فاليوم} نصب على الظرف، ويريد يوم القيامة، والحشر المذكور وهذه مخاطبة يحتمل أن تكون لجميع العالم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6